الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و على آله و صحبه و من والاه و بعد :
فإن شرع الله تعالى قد كملت أحكامه و صدقت أخباره فلا تعارض و لا تكذيب بينها و هذه من أكبر المنن التي يمنها الله تعالى على هذا الدين قا ل تعالى " و تمت كلمت ربك صدقا و عدلا لا مبدل لكلماته و هو السميع العليم " قال الامام قتادة السدوسي رحمه الله تعالى : "صدقا فيما قال و عدلا فيما حكم " .
فالاخبار التي قصها الله تعالى في كتابه كلها تصدق ولا تكذب لانها من عند الحق ، و الحق لا يفعل و لا يقول إلا الحق،وكذلك أحكامه فهي من عند حكيم خبير أعطى كل شئ حقه و مستحقه ووضع الامر كله في مكانه المناسب فلا اعتراض عليه و لا تبديل .
إن تعارض دلالة نصوص الوحيين واقع لا محال و هدا أمر لا بد منه إذ نصوص الشرع مقيدة بأحوال و ظروف ، تختلف باختلاف الأزمنة و الأمكنة وا لأشخاص و غير ذلك ، فيقع عند هذا مثلا جواز الفعل و عند الآخر الترك و هذا ما يسمى عند الفقهاء بدلالات النصوص و أحوال الناس في ذلك على أربع :
1ـمن يجد لهذا الأمر مخرجا و هم العلماء لأن دلالات النصوص تتعارض في ظاهرها دايما و المخرج موجود لا محال ,
2ـ من لا يجد لهذا الامر مخرجا فيتوقف لعدم تبين الأمر لديه مع اعتقاده بوجود الراجح .
3ـ من يرمي الامر بالتناقض و هدا كافر بالله تعالى كافر بكون الدين متكاملا نسأل الله تعالى العفو و العافية .
إذا فالأدلة الشرعية تتعارض و لا تتناقض و من قال بتناقضها فقد نقض اسلامه.
و إن لتعارض النصوص أسباب كثيرة ندكر منها :
1)_ ما يكون من بعض النصوص من عموم و تخصيص ، و إطلاق و تقييد و استثناء و نحوه،فيظنه بعض الناظرين تعارضا و ليس كذلك.
2)_ الجهل بسعة لسان العرب ، و قد نزل القرآن بلسانهم .
3)_ الوضع في الاحاديث من قبل الزنادقة أو خطأ الراوي في الحديث لضعف حفظه او رده لوهن امره ، فيكون التعارض بين دليلين أحدهما لا يصح .
4)_ الجهل بالناسخ و المنسوخ من النصوص و ذلك في أبواب الاحكام .
5)_ الرسول صلى الله عليه و سلم قد يخبر بالشئ فيؤدي المخبر عنه الخبر على حسب امره و ظرفه فينقص منه ، و آخر يوديه مختصرا و ثالث ياتي ببعض معناه ، فإذا عرف هذا انتفى التعارض لان الاداء كان على حسب المقام .
6)_ قد يحدث الرجل عن النبي صلى الله عليه و سلم و قد أدرك الجواب دون المسأ لة ، ومعرفة المسأ لة تدل على حقيقة الجواب ، لانه يعرف السبب الذي خرج عليه الجواب ، فإذا عرف هذا زال الاشكال .
و لكن كما ذكر من قبل ان النصوص المتعارضة لها مخرج لا محال و هدا المخرج بحسب قوة نظر الرائي و صدقه مع الله تعالى ، قال الامام الشافعي رحمه الله تعالى كما في الرسالة ص (216) :" و لم نجد عنه صلى الله عليه و سلم شيئا مختلفا إلا وجدنا له وجها يحتمل به ألا يكون مختلفا .
فهدا الكلام يفهم منه ان لكل تعارض مخرج لا محال لان الكل من عند الله تعالى ، و دفع التعارض يكون على هذا الترتيب :
أ_ الجمع بين الدليلين باعمال الكل لأنه أولى من إهمال أحدهما .
ب_النسخ .
ج_ الترجيح :و بكون على أحوال ثلاث :
الحالة الاولى :إما التوقف إلى أن يتبين وجه الترجيح .
الحالة الثانية :يتخير بين الدليلين .
الحالة الثالثة :تساقط الدليلين و طلب دليل ثالث على الترتيب ، فإن كانا آيتين نظر في السنة ، و إن كانا سنتين نظر في القياس أو أقوال الصحابة و هكدا .
هذا الامر كله عند تعارض الادلة و عدم القدرة على الجمع في تلك المسأ لة المعينة .
و كل هذا الامر توفيق من الله تعالى اذ العلم ليس بكثرة الرواية إنما هو خشية الله تعالى و تقواه كما قال السلف ، فمن خشي الله و اتقاه فتح الله عليه من بركات الفهم و نفحات العلم ما لا يعلمه الا هو ، فالناس تتفاوت في الفهم كما تتفاوت في الايمان و العلم .
و الله أعلى وأعلم .[center]